فلانة بنت فلان آل فلان

أنقل لكم قصة ذكرها لي صديقي الذي دار بينه وبين رجل مسن. أحداث القصة حقيقية على لسان صاحبها مع تحفظ الأسماء.



كانت لدي مراجعة في إحدى الدوائر الحكومية بالرياض لإكمال ما تبقى من إجراءات سيارتي الجديدة التي إبتعتها مؤخراً من إحدى الدول الشقيقة. وكما تجري العادة مع الدوائر الحكومية فإن البيروقراطية ما زالت كما هي مع كل الأجهزة في جميع البلاد العربية إلا ما رحم ربي. فقررت أن أجلس في صالة الإنتظار وأنا على يقين أن سفري هذا من الأحساء قد يتكرر هذا الأسبوع مرات عدة لأن وقت المراجعة قد شارف على الإنتهاء واوراقي لم تنتهي.

في صالة الإنتظار، رأيت رجلاً طاعن في السن ينتظر دوره هو الآخر، ذهبت وجلست بجانبه لعلي أجد عنده ما يقتل وقتي ويشاركني همومي. كان الرجل المسن مهندس متقاعد في شركة كبرى بالشرقية. كان ودوداً جداً وصدره رحب، ما إن تعرفنا على بعض حتى تجاذبنا أطراف الأحاديث بالضحك.

فتوقفنا عن الحديث لبرهة، وكأنني أنتظر منه حديثاً بعد أن أخذ شهيقا وزفيرا عميقين: ما أعجب هذه الدنيا! صرت أتحدث وأشاهد ما يجري لإبني الذي ترك الديار ليكمل دراسته في أمريكا وكأنه هنا حولي. نعم، لم أشعر قط بغيابه. تطورت التقنيات وكثرت أجهزة الإتصالات حتى أصبحت بين أيدينا بل في جيوبنا. لم يكن صعباً عندما أجريت الإتصال به لأول مرة بذاك الجهاز العجيب أيباد، كان حقاً ممتعاً. لم أكن أعلم إن مكالمة إبني صوت وصورة بهذه البساطة. في الحقيقة، صرت أعلم كل صغيرة وكبيرة عن إبني، حتى صار عندي شغف كبير في ملاحة محيطات النت المتلاطمة. فأنشاءت بريد إليكتروني خاص وحساب في موقع إجتماعي شهير، الفيس بوك. أعجبني موقع التواصل لسهولة تصفحه، فقمت بإضافة أصدقائي ولملمت جميع أقاربي فيه. صرت أطلع على تحديثاتهم وأتابع أخبارهم أولا بأول. بعد أيام من الإستخدام، إقترح علي الفيس بوك كعادته في كل يوم بإقتراح إضافة أصدقاء جدد يشاركونني في عدة مجالات ويعتقد الفيس بوك أيضا أن قد سبق لي معرفتهم من قبل. ولكن ليست هذه المرة! فقد ظهر إسم غريب شد من إنتباهي. إسم فتاة بالإنجليزية مصحوبة بإسمي وإسم عائلتي! هل هذه صدفة أم تحايل على إسمي؟

تبين لاحقاً أن الفتاة تبلغ من العمر الثلاثين وتقطن في إحدى الولايات المتحدة! ولكن لماذا إسمها متبوعة بإسمي؟ هل تريد الإساءة لسمعتي بين أصحابي؟ تبا لها، جعلتني في ريبة من أمري، وحتى أخمد فضولي، قمت بإضافتها لأبدأ بالتحقيق: من أنتي؟ وبأي حق تملكين إسمي؟ وهل تعرفينني؟

عرّفت كريستينا على نفسها وبأنها متزوجة وتعيش في أمريكا مع إبنتها. هي تعجبت أيضاً أن إسم أبيها مطابق تماما لإسمي! ولا تعلم ماذا يحدث. فسألتني من أين أنا؟ فقلت لها إنني من السعودية. فسألتني هل أنا والدها!

إستنكرت في بادئ الأمر وذكرت لها بأنني لم أتزوج من امريكية، فسألتها: من أمك؟ فذكرت أن أمها فلانة بنت فلان! فأرجعتني بذاكرتي إلى ماض سحيق، لتبدأ قصتي من النهاية.

ضحكت مع نفسي عندما دققت في وجه كريستينا لأرى ملامح وجهي فيها! يا إلهي، لماذا أفكر هكذا! فطلبت منها صورة لأمها، ففعلت. نعم، هي ذا صديقتي أيام دراستي عندما كنت شاباً يافعا أعزبا في امريكا!

أخ، كنت على علاقة حب طويلة بأمها فترة مكوثي هناك، نأكل ونسهر ونسافر سوية، كم قضيت أجمل الأوقات معها، وكأنني ارى تلك الأيام تطوي أمام عيني الأن. ولما شارفت دراستي على الإنتهاء أخبرتني بأنها حامل ولم أصدق ما حدث. تركتها وكأن الأمر لم يحصل شيئاً بيني وبينها. ولكن قدر الله وما شاء فعل، بأن ألتقي بإبنتي بعد ثلاثين سنة متزوجة ولديها بنت جميلة.

طلبت مني أن أزورها أو أرتب لها موعدا لملاقاتي في السعودية. برأيي كلا الأمرين يحتاجان إلى تفكير وقلب شجاع وعجوز مجنون. لا أدري ما أقول ولكن: خيرٌ إن شاء الله يا كريستينا، قريباً سآتي لمقابلتك، وأرى حفيدتي!

هنا قاطعت المسن بإبتسامه عريضة، لا أدري أأضحك أم أبكي لأجله. يا أبا كريستينا… صار لديك عرق في أمريكا من حيث لا تعلم!
واه عجباه منك ومن زمانك!

0 التعليقات: